مقالات

صراع العلم والجهل

 

بقلم : محمد الكعبي

المجتمعُ مفهومٌ واسعٌ يتضمن مفاهيم مثيرة، فقد يقصد به الأفراد، أو الأسرة، أو العادات، أو التقاليد، أو الثقافة أو البيئة، نعم البعض يعرّفه على أنه نسيج اجتماعي من صنع البشر وتحكمه مجموعة من القوانين والأنظمة والتي تكون دخيلة في ترتيب شؤون الأفراد المنطوين تحت هذا العنوان، وأن حجر الأساس في البناء الهرمي للمجتمع هو الفرد، ويتأثر الفرد بالمحيط الذي يعيش فيه وهم أبناء جنسه، ويتأثر بالأسرة والمدرسة والشارع والثقافة والدين والمناخ والأرض وحتى الطعام، فالعادات والقيم والقوانين والأهداف والرغبات الخاصة والعامة للأفراد هي نتاج تلك العوامل.

قد تبرز في المجتمعات حالات قد تكون لها مدخيلة في بلورة الأحداث وتغيير خارطة الطريق نحو المستقبل بشقيه السلبي أو الإيجابي، مما يجعلنا نقف كثيراً أمام تلك المتغيرات، ونتفحص من يقف ورائها وتكوينها، فهل كان السبب في تكوينها هي الظروف، أم الصدفة، أم الحظ، أم الإنسان، أم القوى الكبرى، أم الشيطان؟ أم أن هناك قوى خفية تقف وراء كل هذا – ونحن لا ندركها أو نتعمد التغافل خوفا أو خجلا- وهي تحاول أن تحتقر البشر وتتجاوز على حقوقه وتسحقه، إني أجزم أنه الجهل، هو تلك القوة القاهرة التي تحول الإنسان إلى حيوان لاهمَ له إلا علفه، الجهل المشترك بين الحاكم والمحكوم، بين المجتمع والقائد، الجهل الذي يجعل الحاكم يقتل ويظلم من أجل أن يعيش أيام وسنين ثم ينتقل إلى عالم آخر، يحاسب على كل صغيرة وكبيرة وكل ما جمعه وقاتل من أجله يذهب ويتمتع غيره، واما المجتمع الذي اضاع عمره في التفاهة والخرافة والرقص والهتافات لهذا وذاك حتى جاءها السيل وألقى بها في وادٍ سحيق قد غمرها الفقر والمرض والبطالة والتخلف، هذا هو حال الكثير من الأمم التي لا تعي قيمة وجودها، فبعض الشعوب تبحث عن قائد كارتوني يلبي طموحاتها الجاهلة لمجرد انتماء هذا المسؤول أو الزعيم لحزب ما أو اسرة ما، فالأمة بجهلها إن لم تجد قائداً تصنع لها قائداً ليحتقرها وتسير خلفه وتعيره عقلها ومصيرها، الكثير ممن عرفناهم وتابعنا أخبارهم في الأزمان الغابرة لا هم لهم إلا السجود للصنم، والتمسك بالألقاب والعناوين، ولا تطالب أو تفكر بالمنجز الواقعي لهذا الزعيم أو ذاك، ألا تنظر إلى أين وصلت؟ إنها في الحضيض، حيث تسكن في العشوائيات وتستجدي الرغيف، وتأكل من المزابل، وهي مستأنسة، وترقص للجلاد وتغني للظالم، إلى متى يبقى الجهل محدق بالناس؟ أما آن لهم أن يمزقوا ثوب الأسى ويخرجوا من غرف التحجير ويصارعوا التخلف ويسيروا نحو العلى، ألا يحق لهم أن يعيشوا بكرامة؟ أم أنهم امتهنوا الذلة والهوان؟ إنها شعوب ميتة. إن الإنسان عندما يتخلى عن عقله، سيكون مصداق قوله تعالى، { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}. إنهم أبعد ما يكونون عن المفاهيم الإنسانيّة والشرائع السماويّة.

لم يكن في قاموس السماء قتل وتهجير وإقصاء، لم يكن في يوم ما صراع بين الدين والمدنية، ولابين الله والحضارة، لم يكن هناك سيفان، سيف الله وسيف الزمن، بل هناك صراع بين الإنسان والشيطان وليس بين الله والشيطان، لأن الشيطان يدرك أنه مخلوق ضعيف وبائس وملعون، بل صراعه وغوايته مع الشطر الطيني المتسافل في الانسان.

يمكنكم متابعة كل ما هو جديد

 

https://sahmnews.com.sa/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى