مقالات

الثأرُ لا لاشيء 

 

بقلم /ضيف الله الحازمي *

 

كلنا صغارا وكبارا إعتدنا بوعي أو من غير وعي أن نقف على البحر لنلقي ببعض الحصى الصغير فيه، وكأننا نستوفي ثأراً قديماً معه ، أو لربما نحن نحفزه ليطلق عبر أمواجه الراقصة أجمل المواويل والأغنيات بعد كل حصاة  تخترق جلده الهش الناعم الرقيق..

ترى من علمنا أن نثأر لالشيء، من علمنا أن نجرح وأن ندمي الوقت واللحظة السارحة، من علمنا أن نعزف نفس النوتة الأبدية على تلك الآلة الضخمة وأن تلتقي أرواحنا على ذات النوتة التي عزفتها كل الخليقة منذ القدم وكأنها تراها إثبات وجود لإنسانية مازالت طور الاكتمال ولما تستطع بلوغ غاية الكمال..

اغفر لنا أيها البحر لوعة المشتاق الذي حار كيف يحفزك للغناء أو كيف يطهر نفسه عندك بالبكاء، لعله يجد تلك الروح القلقة التي تأبى الاستقرار في أحضانك طمعا بيوم آخر تستحم فيه تحت أشعة الشمس لحظة شروق او غروب…

اغفر لنا هذا الصمت الذي نبديه في حضرتك إلا قليلا من الشكوى المحتشمة تختطفها الريح المحلقة فوق أمواجك لنثبت فقط أننا أحياء أيها المتسربل بالهيبة والحكمة والجلال…

اغفر لنا أن كينونتنا تتضمخ بعطرك المنسكب للطهر دون استئذان لنستعيد ذلك الطهر الذي تعرينا منه منذ الزمن الأول..

اغفر لنا النزق والبكاء والصخب فأنت الوحيد الذي يحتمل منا كل تلك البلادة التي تجتاحنا طوال اليوم ثم نستعيد مشاعرنا لحظة مثولنا بين يديك عرايا من كل مايحجب ذواتنا، لعلنا نحفظ بعض ماتناثر من بقايا أوهام الكبرياء على شطآنك..

اغفر لنا وكفى فنحن بحاجة للمغفرة من أشياء كثيرة اجترحناها بوعينا أو لاوعينا أو عبر جيناتنا الموغلة والمتوغلة باتجاهي الماضي والمستقبل..

اغفر لنا وافتح صدرك لمزيد الحصى فنحن نثبت كل الوقت أن الوفاء ليس سمة لنا مهما غفرت، أو احتضنت، أو عزفت أناشيدك لتمسح من أحداقنا ماتسح من دموع، فستبقى تلك الحصى ملتصقة بأيدينا لنثأر من أنفسنا وليس منك أيها الطاهر العظيم..

*مدير ادارة تعليم صبيا سابقاً

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أحسنت استاذ ضيف الله مقال جميل طوعت فيه الاحالات الضميرية التي كان لها مساحة معتبرة في مقالك تنوعت بين ذاتين ذات المتحدث الذي جاء في معرض السؤال من علمنا؟ لتجعل المتلقي يتلهف للمعرفة اما الذات الأخرى فهي ذلك البحر الذي خاطبته مباشرة عبر خطاب استعلاء لهذا الطاهر العظيم خطاب الأمر قصدت بمخاطبته التمني بأن يغفر لوعة المشتاق ، وشكواه وبكائه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى