قلم عربي

طه حسين والرواية العربية

✍️ الروائي العربي: عبدالواحد محمد 

يجسد طه حسين ضمير إبداعي مرهف الحس وليس له نظير في حياتنا الثقافية العربية كعميد الأدب العربي، وأيضا كمثال حقيقي للصبر والإرادة والعزيمة التي جعلت من الشيخ الأزهري الكفيف رمزا في حياة أجيال مازالت تكتب من عالمه صفحات نفخر بها كما هي ترجمة لعالم الرواية العربية الذي كان من روادها طه حسين ابن مغاغة المنيا أحدى قرى صعيد مصر ، ولاريب كانت لتلك القرية حكاوي سطرها في رواياته الخالدة لنعيش بين سطور روايته النفسية شجرة البؤس التي جعلت من الصراع لغة وحكاية جمعت بين القبح والجمال في فلسفة حكاء كبير!!

لاريب هي أجمل الروايات التي كتبها الأديب رواية اسمها “شجرة البؤس” ولمن لم يقرأها فهي تحكي عن شاب وشابة تزوجا عن طريق أهلهم الذين كانت تربطهم صداقة وعلاقة عمل.

تزوجا ورغم قبح زوجته الشديد فأن الزوج لم يرَ امرأة سواها ولم يعرف زوجة غيرها فلم يتذمر يومًا من قبح زوجته الشديد. بل ربما لم يخطر بباله يوما أنها قبيحة. فهي زوجته وكفى، يحبها بشدة لأنها تمثل له السكن والمودة والرحمة والتراحم فلم يفكر يومًا أن كانت جميلة أو قبيحة هو يحبها لأنها زوجته و هذا كافٍ بالنسبة له.

مرت الأيام و ولدت الزوجة طفلة تشبهها فى قبحها الشديد ولكن فرحة الزوج كانت عارمة فقد رزقه الله ابنة، وقد صارت قرة عينه وشغله الشاغل. وعاش الزوج وزوجته و طفلتهما سعداء و اغدق الأب ابنته فى الدلال والحب حتى لم ينقصها حبًا و لا رعاية.

ثم جاء اليوم الذى وضعت فيها زوجته طفلة آخرى، ولكنها هذه المره بارعة الجمال. وللمرة الأولى يرى الزوج ما لم يراه من قبل!

أنارت له طفلته الجديدة عينيه فيرى للمرة الأولى كم أن زوجته شديدة القبح هي و ابنته الأولى مقارنة بطفلته الثانية. ومنذ تلك اللحظة بدأ يزرع بذرة البؤس فى بيته حتى تتملك شجرة البؤس بيته فلم يعد سعيدًا كما كان.

لم تعد زوجته الحبيبة ترضيه ولم يملك إلا أن ينفر من طفلته الأولى وهو ينظر لطفلته الثانية رائعة الجمال.

تكبر شجرة البؤس وتنمو يوما بعد يوما و تنتهي القصة باستمرار بؤس تلك الأسرة، عندما تحل على الزوج لعنة المقارنة بين طفلتيه فيبدأ فى التفريق في المعاملة بينهما ويتغير في معاملته لزوجته التي لاذنب لها سوى أنها ولدت طفلة تشبهها في قبحها وطفلة بارعة الجمال. 

اتذكر تلك الرواية كلما أطلق أحدهم السؤال الخالد: ترى ما هو سر السعادة فى الدنيا؟

الحقيقة أن كل إنسان يصنع سعادته بنفسه عندما ينظر دائمًا للجانب المشرق في كل أمر بحياته، عندما يرضى بما قسمه الله له و يتعامل معه على أنه أفضل شيء له.

ذلك الزوج فقد السعادة في اللحظة التي تخلى فيها عن رضاه عما يملك. ربما كانت زوجته قبيحة لكنها صالحة، ربما له أبنه قبيحة لكنها تحبه.

لم ينظر للحظة أن الله أكرمه بطفلة ثانية جميلة وهي نعمة من الله، لقد نسى نعمة الله عليه و تعامل معها على أنها أظهرت له شيئا ينقص حياته.

لقد قسم الله الأرزاق للناس ولم يعطِ أحدا كل شيء؛ ليساعد الناس بعضهم بعضا و يكملوا بعضهم بعضا.

فأن كنت تبحث عن السعادة فكفْ عن المقارنة بين ما تملك و ما لا تملك.

كفْ عن احصاء ما يملكه غيرك و ليس عندك، وأبدا في عد ما منحه الله لك وارضى به، فالرضا فى حد ذاته فضلًا ونعمة.

لا تزرعوا فى حياتكم بذرة البؤس كونوا على صواب من رحلة حياة. ليؤكد فكر وعالم طه حسين الروائي على كينونة الوطن بكل إرهاصاته المبدعة بين الأزهر طالبا وبين السربون في فرنسا أدبي، فهذه تجارب الحياة بكل رغبات البشر الجائعة والمؤمنة بالنصيب والقدر. أنها أحدى حكايات طه حسين وحكايات وطن فيه الرواية جزء من واقع نتلمسه بميزان فيه كفة تعلو الآخرى لكنها فلسفة أديب كبير فقد بصره ولم يفقد إيمانه بالوطن.

عبدالواحد محمد روائي عربي 

Abdelwahedmohaned@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى